انتقاد لمسلسل نزار قباني بقلم : شمس الدين العجلاني

استحلفكم بالله، أن تتابعوا مسلسل نزار قباني علي الشاشة السورية، لتحكموا بأنفسكم ما هذا الذي نشاهده، هل هو نزار قباني؟ ذلك الدمشقي من رأسه لأخمص قدميه؟ ذلك الدمشقي الذي جاب أنحاء المعمورة ينثر الورد الدمشقي، في عواصم العالم، (أربعون عاما احمل مآذن دمشق علي كتفي وأطوف بها حول العالم، ولسوف أبقي حاملا مآذن دمشق وأنهارها، وأشجار خوخها وتفاحها ورمانها وعنبها حتي آخر لحظه في حياتي) ويدق الأبواب الموصدة ليقول : إن صناعة دمشق الأساسية هي العروبة وهذه الصناعة الدمشقية قديمة جدا .. ومشهورة جدا وجميع القوميين العرب خرجوا من رحمها وتتلمذوا عليها .
استحلفكم بالله، أن تتابعوا المسلسل الذي يعرضه التلفزيون السوري هذه الأيام والمسمي زورا وبهتانا (نزار قباني) ليتبين لكم انه ليس له علاقة من قريب أو بعيد بدمشق أو بطفلها نزار قباني، فمن الحلقات التي عرضها التلفزيون السوري حتي كتابة هذه السطور نستطيع إبداء الملاحظات التالية والتي أرجو أن يتسع صدر من يلزم لاستيعابها لأننا أولا وأخرا نتحدث عن دمشق نزار قباني وليس لنا غاية أخري، وكم كنا نتمني أن تتواصل جهود الجميع لإخراج هذا المسلسل بما يليق بابن دمشق البار نزار توفيق قباني:
إن الأجواء العامة في المسلسل بعيدة عن دمشق شكلا ومضمونا، دون أن ننسي الاداء الرائع لاصالة نصري في شارة المسلسل، والموسيقي التصويرية التي رافقت الأحداث، ولكن لم يوفق الفنانون بتجسيد الشخصيات الدمشقية في المسلسل باستثناء صباح الجزائري، فمثلا شخصية توفيق قباني لم ترق إلي تجسيد ذلك الرجل الدمشقي العتيق، لا صوتا ولا صورة، والمسلسل صور لنا توفيق قباني افندي وبس، ودائما متواجد في البيت، بينما يقول لنا نزار عن والده بأنه: (إذا أردت تصنيف أبي، اصنفه دون تردد بين الكادحين، لأنه انفق خمسين عاما من عمره، يستنشق روائح الفحم الحجري، ويتوسد أكياس السكر، وألواح خشب السحاحير .. أني لأتذكر وجه أبي المطلي بهباب الفحم، وثيابه الملطخة بالبقع والحروق) هكذا كان والد نزار، وكان من الأجدي أن يقوم بهذا الدور طلحت حمدي لأنه اقرب شكلا ولهجة لوالد نزار، أما شخصية نزار الشاب فلم استطع أن الحظ أو يلفت نظري أو أي شيء أخر يوحي لي أن هذه الشخصية دمشقية، بل علي العكس تماما فقد نطقت هذه الشخصية بعدة كلمات تؤكد أنها غير دمشقية، وبالرغم أن نزار قباني كان مغرما باللهجة الشامية وادخل مفرداتها من خلال كتاباته (يعرش ـ طشت ـ يهرهر ـ ترش ـ يخرطشون) برغم ذلك لم نستطع أن نسمع هذه اللهجة الشامية في شخصية نزار قباني اللهم سوي كلمة (عروس( (الحلقة 2) والمقصود بها (سندويشة).
لقد أغرقنا المسلسل بجزئيات ليس لنا بها، فالحلقة الثانية والثالثة تقريبا كانتا حول إصابة عين نزار قباني، فهل هذه الحادثة تستاهل حلقتين؟وهل كان أهل دمشق يضعون المتوفي بثيابه البيضاء ووجهة مكشوف في التابوت، كما حصل في الحلقة الرابعة حين توفيت وصال؟ وطالما الحديث عن وصال الشقيقة غير الأخت لنزار قباني نتساءل لماذا لم يوضح المسلسل الأسباب التي أدت إلي وفاتها، ولا يكفي قولهم لأنها لم تستطع أن تتزوج من تحب، فقد استطاع المسلسل أن يدخلنا في أدق الجزئيات في حياة نزار قباني كما يزعمون وان يذكر لنا عشيقات نزار في السر والخفاء من هويدا إلي صاحبة حرف اللام وأمها، وزبيدة وهند وآمال والشغالة نعيمة في القاهرة التي كانت ترمي شباكها للشاب القادم من الشام و.. فالذي استطاع أن يحصي عدد العشيقات والحديث الحميم الذي كان يدور بين العشاق، يستطيع أن يعلمنا ولو شيئا بسيطا عن قصة وفاة وصال. وحسب ما قرأنا لابنته هدباء بأن جدتها (أي والدة نزار) كانت تنادي لنزار (نزوري) علي سبيل الدلع، وليس نزار الصغير (الحلقة الرابعة)، وكما قرأنا ايضا لنزار وأهله فان نزار (ليس لديه مصادفات في الكتابة ولا ارتجالات في قول الشعر، فحركة الشعر عنده كحركة الكواكب في السماء، تخضع لنظام دقيق وسرمدي) وبالتالي حسب ذلك لم يمارس نزار الكتابة وهو مستلقي علي السرير أو مبطوح علي الحشائش في إحدي الحدائق (الحلقة 4 و 6)، وحين أصدر نزار ديوانه الأول (قالت لي السمراء) يزعم المسلسل أن توفيق قباني يتهجم علي ولده نزار لإصداره هذا الديوان ومما يقوله له انه (يخدش الحياء .. هو ديوان شيطاني) بينما قرأنا لنزار قباني انه اعد ديوانه الأول (قالت لي السمراء) للطباعة وذهب إلي أم المعتز وقال لها لدي ديوان شعر وأريد مبلغ 300 ليرة سورية لطباعته فخلعت اسوارتي الذهب من يدها وأعطتهما له ليطبع كتابه. وبعد أن نشر ديوان الشعر وظهرت أصداؤه في الحارة جاء وجهاؤها إلي أبو المعتز يشكون ابنه نزار علي هذا الديوان ويسجلون اعتراضهم عليه وضرورة إتلافه ومنع نزار من التعاطي مع هذه الأشياء (الشعر). انتظر الوالد توفيق قباني ابنه نزار لحين عودته إلي البيت، فسأله، هل صحيح انك كاتب كتاب شعر عن المرأة والناس في الحارة قايمين عليك، فقال له نعم، وطلب أبو المعتز الديوان ليطلع عليه ومن ثم يقرر ماذا سيفعل، وبعد أيام استدعي ابنه نزار وقال له: لا يهمك ما يقولونه في الحارة واستمر وأنا أتدبر الأمر مع أهل الحارة. ولم يقل له أن هذا الديوان يخدش الحياء و.. ؟ والاهم من هذا وذاك أن الذي قدم نزار للعالم وتنبأ له أن يكون مثل بودلير وفيرلين والبير سامان وغيرهم من أصحاب الشعر الرمزي والشعر النقي. هو الأستاذ الجامعي والنائب الدمشقي والوزير منير العجلاني. فحين أراد إصدار ديوانه الأول (قالت لي السمراء) وكان طالبا في كلية الحقوق بجامعة دمشق، تقدم بحياء من الأستاذ في كلية الحقوق والنائب والوزير الدمشقي بطلب يرجوه فيه أن يقدم له ديوانه الأول، وبرغم ما ضمه هذا الديوان من تمرد وتغيير في شكل ومضمون القصيدة العربية المتوارثة، حيث ادخل الشاعر ألفاظاً وصوراً تناول من خلالها المرأة بأسلوب جديد وغير مألوف، فقد قدم العجلاني الطالب نزار قباني للعالم وكتب مقدمة (قالت لي السمراء) وصدرت الطبعة الأولي منه وبكمية 300 نسخة في أيلول (سبتمبر) 1944 ومما جاء في مقدمة العجلاني لقباني:
(وكأني أجد في طبيعتك الشاعرة روائح بودلير وفيرلين والبير سامان وغيرهم من أصحاب الشعر الرمزي والشعر النقي... لا أسألك... لا أسأل الله إلا شيئاً واحداً، أن تبقي كما أنت، طفلاً يصور.. ويعشق.. كأنه ملاك يمشي علي الأرض ويعيش في السماء... إنك تمر مرور الموكب الملكي أو الملائكي) ويتنبأ الدكتور العجلاني في تقديمه لهذا الديوان أن يتبوأ نزار قباني أعلي مراتب الشعر فيقول: (ومن يدري لعل القدر يخبئ لنا فيك شاعراً عالمياً تسبح أشعاره من بلد إلي بلد وتمر من أمة إلي أمة). وتحققت نبوءة العجلاني وسبحت أشعار نزار من بلد إلي بلد وستمر من امة إلي امة .. ونزار حفظ للعجلاني موقفه هذا فكتب له بعد أعوام طويلة من إصدار (قالت لي السمراء: ( (الآن وقد قدر لهذه الدفقة من الشعر التي جعلتها بتقديمك لها، تورق وتزهر .. أن تمر علي أنامل الناس. الآن وقد صار شعري ملكا لغيري .. أعود إليك لأقول لك بأنك أنبل من ولدته أم، وبان هذا الجميل الذي قدمته يداك لي لا املك ردة، لأنك علي كل حال اشعر مني و لان كل هذا الشعر الذي تقرأه الدنيا عني أن هو إلا تقدمة نثرية لتقدمتك الشعرية).
تشير الحلقة السادسة أن نزار تخرج من الجامعة وعمره 20 سنة بينما الذي نعرفه من خلال قراءة سيرة نزار انه حصل عام 1945 من الجامعة السورية في دمشق علي الليسانس في الحقوق، ونزار مواليد 1923 أي انه تخرج وعمرة 22 عاما ..
وفي الحلقة السابعة يعطي نزار قباني والده أبو المعتز درسا في مباديء السياسة .. ؟ برغم أن نزار يصف والده بأنه (يصنع الثورة) ويعقد الاجتماعات السياسية في منزله، وانه كان من أولئك الرجال التجار والمهنيين وأصحاب الحوانيت الذين يمولون الحركة الوطنية، ويقودونها من حوانيتهم ومنازلهم .. فهل يعقل ان رجلا وطنيا يعمل في صناعة الثورة بحاجة لدرس في مباديء السياسة من ابنه .. ؟ وهل من المعقول أن يغلق هذا الدبلوماسي المدلل باب السيارة لسعادة السفير وكأنه احد مرافقيه (الحلقة السابعة) .. والشيء المدهش أن نزار قباني في هذا المسلسل يستطيع القتال (كأفلام جيمس بوند) حين يقتحم العوامة وينقذ حبيبته لميس من (الحشاشين) تماما كفريد شوقي، فبضربة (بكس) واحدة يرمي الشرير في نهر النيل، وينقذ البطلة .. ؟
استحلفكم بالله، أن تتابعوا المسلسل الذي يعرضه التلفزيون السوري هذه الأيام والمسمي زورا وبهتانا (نزار قباني).
وأرجو ممن يهمه الأمر أن يأخذ ملاحظاتي هذه بروح رياضية، لأنني مثله تماما اعشق دمشق، واضع نفسي في قائمه عشاق نزار قباني..و أنني أدعو لوقف التعدي علي دمشق نزار قباني ..

هذه المقالة من جريدة " القدس العربي "
وقد صدر هذا المقال فيها بتاريخ 25/10/2005

© By WebTix